يرفض رجال الشرطة عادة اللجوء إلى المنجمين أو الذين يدعون امتلاكهم لقوة خارقة من أجل مساعدتهم في الكشف عن مرتكبي الجرائم الخطيرة المستعصية أو المعقدة. لكنهم في بعض الأحيان يضطرون على مضض، إلى الاستعانة ببعض هؤلاء عندما يفقدون آخر أمل بكشف الجناة. هكذا حدث في عام 1888 مع حالة جاك السفاح الذي كان يقتل ضحاياه في الطرف الشرقي من لندن. في ذلك الوقت كان يعيش في لندن رجل روحاني مشهور كانت تستشيره الملكة فكتوريا، وكان يدعى روبرت جيمس ليز. وعندما طال بحث الشرطة عن السفاح دون جدوى، ضغط الناس ومعهم الملكة فكتوريا نفسها على الشرطة طالبين استشارة ليز. قال ليز في بادئ الأمر أنه رأى جاك في إحدى منامته، ووصفه، ووصف ملابسه قبل أن يذهب في إجازة إلى فرنسا ليريح أعصابه ـ كما قال ـ من الإرهاق الذي أصابها بسبب ما شاهده في المنام. وبعد عودته من فرنسا، صعد ذات يوم إلى مركبة صغيرة تجرها الخيول فإذا هو أمام القاتل الذي رآه في المنام، وكان مع زوجته فحدّث الناس، بأمره على مسمع منه فلم يصدقه أحد. لذلك نزل من المركبة واتجه إلى قسم الشرطة، ولكن المشبوه كان في هذه الأثناء قد غادر المركبة مع زوجته واختفى. بعد فترة توجه ليز إلى قسم الشرطة وقص على رجال سكوتلانديارد رؤيا جديدة رآها حيث شاهد الجاني وهو يقتل إحدى ضحاياه ثم يقطع أذنها. وفي هذه المرة أخذ رجاتل الشرطة كلامه على محمل الجد، ذلك أنهم كانوا قد تلقوا رسالة من جاك يخبرهم فيها أنه سيقطع أذن ضحيته التالية، وكان مضمون الرسالة سرا غير مذاع. وعندما تم اكتشاف جثة الضحية الرابعة، المومس كاترين إدوز، بعد وقت قصير، كان القاتل قد مثل بالجثة تماما كما وصف ليز. ثم ازدادت دهشة الشرطة وحيرتهم عندما أخبرهم ليز بتفاصيل ومكان قتل الضحية الخامسة والأخيرة ماري كيلي. عندما قرر رجال الشرطة الاستعانة بليز واختبار قدراته الروحية. اصطحبوه إلى مكان الجريمة عله يجد شيئا أو أثرا يدله على القاتل، فقادهم عبر الشوارع المظلمة إلى منزل رقم 74 في شارع بروك بمايفير. كان المنزل على بعد أميال قليلة من مسرح الجريمة، لكنه على بعد ملايين الأميال من المنطق والعقل. ذلك أن المنزل كان للسير وليام غال، الطبيب الشخصي للملكة فكتوريا وابنها أمير ويلز. وكانت الملكة قد منحته قبل 16 سنة لقب بارون تقديرا له على إنقاذه حياة ابنها من مرض التيفود المميت. كما أن الطبيب كان في السبعين من عمره، وشبه مشلول. أصر ليز على رأيه وهو يشير إلى باب المنزل قائلا: هنا يقبع القاتل رجلكم الذي تبحثون عنه. أمام إصراره اضطر رجال الشرطة إلى إجراء تحقيق مهذب مع السير وليام حيث أفادت زوجته أنه كان يحضر متأخرا إلى البيت في بعض الليالي وعلى ملابسه بقع من الدم. وقد فسر الطبيب ذلك عندما قال إنه يعاني من نزف في أنفه. ثم توقف التحقيق مع الطبيب المحترم. كما أن جرائم القتل توقفت أيضا فجأة كما بدأت. لقد توفي السير وليام بعد 14 شهرا عقب إصابته بالشلل التام. أما جيمس ليز فتوفي في عام 1931 أخذ معه كل أسراره. غير أن المؤرخ الطبي الدكتور وليام ستويل الذي تفحص الأوراق الخاصة للدكتور وليلم غال في عام 1970، أفاد بأن غال طالما قضى ليال يجول وحيدا في أزقة الطرف الشرقي للندن حيث كانت تقع جرائم جاك السفاح. كما أنه كتب مقالة شكك فيها باحتمال أن يكون طبيب الملكة جزءا من مؤامرة كان بطلها الأمير ألبرت فكتور ابن أخت الملكة فكتوريا، و ربما كان هذا الأمير أحد مرضى الطبيب غال الذي كان بدوره يغطي على أفعال الأمير وجرائمه. أين هي الحقيقة؟ لا أحد يعرف حتى اليوم. في الفترة بين عام 1975 وعام 1980 تكررت الحكاية ذاتها مع تغييرات طفيفة، حيث ظهر في هذه الفترة في شمال إنكلترا سفاح يوركشاير الرهيب الذي شغل الرأي العام فترة ليست بقصيرة، قتل خلالها 13 امرأة معظمهن من بائعات الهوى، غير أن بعضهن كن ربات بيوت محترمات علاوة على تلميذة شابة. ونظرا لعدم تمكن الشرطة من القبض على السفاح طوال تلك السنوات فقد تقدم كثير من المنجمين ومدعي القوى الروحانية الخارقة بإفادات متناقضة أحيانا حول هوي القاتل. لقد أرسل السفاح عدة رسائل إلى الشرطة، وشريطا مسجلا يسخر فيها من رجال سكوتلانديارد ويتحداهم. وقد تم فحص الشريط الصوتي من قبل علماء في الصوتيات، كما تم عرضه في مؤتمر عام علّ أحدا يتعرف على الصوت المسجل. كما أن الشرطة استجوبت خلال تلك السنوات مئات المشبوهين، ولكن بدون أن نتوصل إلى القاتل. في جويلية 1979 عندما كان نشاط السفاح في أوجه، فوجئت الشرطة بمقال في إحدى الصحف تضمنت صور للقاتل تم رسمها حسب وصف البصارة المشهورة دوريس ستوكس. وكانت ستوكس قد استمعت إلى الشريط المسجل وتنبأت أن طول السفاح كان 5 أقدام و8 بوصات، ويدعى جوني أو روني، وفي وجهه ندبة أسفل عينه اليسرى. وقالت: إنه حليق الوجه ويعيش في شارع اسمه بيرويك أو بيويك، واسم عائلته يبدأ بحرف الميم، وكان قد دخل مصحة عقلية حيث تلقى علاجا نفسيا قبل خروجه لارتكاب جرائمه. وادعت السيدة ستوكس أنها حصلت على هذه المعلومات عندما اتصلت بوالدة السفاح المتوفاة، واسمها مولي أو بولي. وقد وافق مفتش المباحث الهولندي النفساني جيرارد كرويست على ما قالته السيدة ستوكس، وأضاف أن السفاح كان يعرج قليلا، ويسكن في غرفة كراج في ساندرلاند. أما المبصر باتريك بارنارد فقد عارض سابقيه، وقدم في أواخر عام 1980، بعد مقتل الطالبة جاكلين هيل، وصفا للحادثة وللقاتل حيث قال: كان الحرفان ر ن ظاهرين بوضوح بلون أبيض فوق كتف معطفه الأسود. وكانت أرى نفسي في إسكتلنده، وشعرت أنه كان يعمل في غواصة نووية. هل يفسر ذلك كل شيء؟ بحار في غواصة يغيب شهورا في البحر ويترك الشرطة تبحث عنه في البر. كما كشف بارنارد بأنه شاهد في رؤياه كذلك عربة قطار مهجورة حيث كان السفاح يغير ملابسه قبل عودته إلى بيته المطل على نفق لسكة الحديد. ظل أمثال ستوكس وبارنارد وكروسيت يصولون في تبؤاتهم إلى أن تم القبض على السفاح يوركشاير في 2 جانفي 1981. لم تكن توجد ندبة في وجهه، وكان ملتحي. ولم يكن اسمه جوني أو روني، ولم يكن يسكن في شارع بيرويك أو بيويك، ولم يتلق علاجا في مصحة. ولم يكن يعمل في غواصة، ولا كان يعرج. ولم يكن يقطن في بيت مطل على نفق لسكة الحديد، ولم يكن يتردد على عربة قطار مهجورة. كان اسمه بيتر ساتكليف، وكان يعمل سائق شاحنة، ويعيش في بيت مع زوجته بضاحية برادفورد الهادئة. لقد تم الكشف عن بيتر أثناء إجراء روتيني للشرطة. كان يجلس مع مومس معروفة داخل سيارة في موقف للسيارات عندما قام أحد مفتشي الشرطة بالتحقيق عن طريق الكمبيوتر من أوراق لوحة السيارة الني كان يجلسان داخلها. لقد تبين أن أرقام اللوحة لا تتماشى مع أوصاف السيارة، فاقتيد بيتر إلى المخفر للتحقيق معه حيث لم يبد أية إشارة تدل على أنه القاتل المطلوب. غير أن مفتش تذكر أثناء التحقيق أن المشتبه به طلب منه خروجه من السيارة أن يسمح له بالتبول خلف محطة وقود قريبة، فحدثته نفسه بالعودة إلى هناك وتفحص المكان حيث عثر على فأس ملطخة بالدماء. لم يكن لدى هذا المفتش أية قوة خارقة أو قدرة روحانية على الاستبصار. لقد استجاب فقط لحدسه والحاسة السادسة فاكتشف صدفة أخطر سفاح عرفته بريطانيا في القرن العشرين. لقد اعترف السفاح بجميع جرائمه، وقدم تقريرا مفصلا عن كل منها. وخلال المحاكمة التي استغرقت ثلاثة أسابيع تبين أن سوتكليف كان من مواليد عام 1946، وأن تزوج في أوت عام 1974 من مدرسة تدعى سونيا زورما كانت على شجار دائم معه. وعندما كان صوتها يعلو أثناء الشجار كان بيتر يطلب منها خفض صوتها كي لا تزعج الجيران. في أكتوبر 1975 بدأ ستوكليف سلسة جرائمه بقتل بائعة الهوى ويلما ماكان البالغة من العمر 28 سنة. وعندما تم القبض عليه في مطلع عام 1981 في شهر جانفي كان عدد ضحاياه 13 امرأة. وقد عثر في قمرة قيادة الشاحنة التي كان يقودها على ورقة مكتوب فيها بخط يده. في هذه الشاحنة رجل لو أطلق العنان لعبقريته لهز الأمة، وأخضع بطاقته الديناميكية جميع من حوله. من الأفضل تركه نائما. كانت هيئة المحلفين تتكون من 6 رجال و6 نساء. وكان قانون عام 1957 للعقوبات يسنح بتخفيف عقوبة المجرم إذا ثبت جنونه. وقد ادعى السفاح أنه كان يشكو من اضطرابات عقلية، وقال إنه كان يسمع أصواتا تدعوه إلى قتل بائعات الهوى. لقد كان يقوم بمهمة مقدسة. وعندما فحصته لجنة طبية في السجن، أعلنت في تقريرها أن سوتكليف كان مصابا بالانفصام في الشخصية. بيد أنه لم تبد عليه أية علامات للجنون أثناء محاكمته. كما أن بعض ضحاياه لم يكن من بائعات الهوى. وهكذا تمت إدانته، وصدر الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وبثلاثين سنة كحد أدنى. وفي السجن ظل يقول بأنه ما زال يسمع أصواتا، ولذلك تم نقله في شهر مارس 1984 إلى مستشفى أمراض العقلية حيث ساءت صحته العقلية وأخذ يشكل خطرا على حياة العاملين والمقيمين هناك. لقد دلت جرائمه على أنه شخص غير سوي. ولكن هل كان حقا مجنونا؟ أم أنه ادعى الجنون وتظاهر به؟ لقد ظلت الحقيقة قواه العقلية لغزا غامضا لم يكشف النقاب عنه.
غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض |
الأربعاء، 12 يناير 2011
كشف المجرمين بالحدس والتبصير
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق