الاثنين، 10 يناير 2011

الكفن المقدس في تورين

يلوح الاعتقاد أن قطعة القماش مستطيلة الشكل البالغ طولها أربعة عشر قدما والمحفوظة في كاتدرائية تورين هي الكفن الذي دفن فيه مؤسس المسيحية في الضريح اعتقادا منافيا للعقل بشكل واضح سيما وأن هناك أربعون كفنا غريبا تنافس كفن تورين في مناطق أخرى من أوروبا. وإذا كان الكفن المقدس مزيفا فإن اللغز سيكون أكثر غموضا من قبل، لأننا سنواجه مشكلة تفسير عدد كبير من القطع ذات الأدلة القاطعة والمقنعة.

يبدأ تاريخ الكفن من عام 1353 حين قام جيفري ديشارمي سيد منطقتي سافوازي و ليري ببناء كنيسة في ليري وعرض فيها الكفن الحقيقي للمسيح والذي كان قطعة قماش من الكتان يناهز طولها أربعة عشرة قدما وعرضها ثلاثة أقدام نصف قدم وعليها صورة بنية معتمة لرجل أو ربما صورتان واحدة لجبهته والثانية لظهره. ويتضح أن الجسد كفن بالجزء السفلي من القماش الذي لف إلى الداخل فوق قمة الرأس وبطريقة غريبة طبعت صورة الرجل على الكفن حتى تجلت كأنها صورة فوتوغرافية رديئة جدا. إن أثارا مقدسا كهذا ليعادل أكثر من وزنه ذهبا حيث سيؤدي إلى تدفق الحجاج على الكنيسة لمشاهدة ووضع نقودهم في الصندوق المخصص لجمعها.

في عام 1389 صرح بيتر دراسين مطران كنيسة ترويز أن الكفن مزيف ورسمه أحد الفنانين، وحاول الاستيلاء عليه لكنه خفق. وفي عام 1532، أحرقت النار التي شبت في سينت شابيل بمقاطعة شامبري في فرنسا أغلب الكفن وتخلله عدة ثقوب أحدثتها الفضة المنصهرة لكن شيئا لم يحدث قط لمركز القماش الذي يحوي الصورة لدرجة أن أضحى جديدا بعد أن أصلحته راهبات كنيسة ( أس ـ كيلو ). لقد  بدأ التاريخ الحقيقي للكفن ـ وهذا ما يكترث إليه القراء المعاصرون ـ في 28 ماي عام 1898 بعد أن حفظته كاتدرائية تورين منذ عام 1578 م ضمن ملكيات دوق سافوي حتى تم عرضه ثانية عام 1898 في معرض عام.

كلف سيكوتوربايا مصور تورين بالتقاط صورة فوتوغرافية له. كان المصور في غرفته في حدود منتصف الليل حين اخرج أولى الصورتين من سائل التحميض فكان ما رآه جعله يرمي بها. إذ رأى بدلا من مسودة الصورة صورة الحقيقية لوجه واضح المعالم. برغم أنه كان ينظر إلى صورة فوتوغرافية سالبة ليست بالصورة النهائية، وهذا لا يعني إلا شيئا واحدا هو أن الصورة التي كانت على الكفن كانت صورة فوتوغرافية سالبة، وعليه ظهرت الصورة عندما أعاد بايا تصويرها موجبة حقيقية، وإذا كان الأثر حقيقيا فإن بايا كان ينظر إلى صورة المسيح.

وصل الخبر إلى دوق سافوي الذي كان في هذه الأثناء الملك الأول الذي اغتيل بعد سنتين. وشرع موكب من الزوار المتميزين يتوافدون على بيت المصور لإيمانهم أنه الكفن المقدس. مدام لم يخطر ببال أي رسام تزوير صورة سلبية، والاحتمال الأخر أن ذلك تحقيق بالصدفة على يد أحد المزورين، وهو احتمال لا يبدو قابلا للتصديق.

بعد أسبوعين نشر أحد الصحفيين الخبر ناشرا إياه في كل أنحاء العالم. لكن شهرة الكفن لم تدم طويلا. فبعد ستين كتاب عالم فرنسي متخصص بدراسة القرون الوسطى يدعى بوليس شبفاليه تقريرا مفصلا حول الموضوع هدأ من الانفعال، فقد درس شيبفاليه كل ما عثر عليه من وثائق من بينها تأكيد بيتر داسين أن الكفن مزيف حين ادعى أن الرسام نفسه اعترف له أن صورة التي على الكفن هي رسم يد، وأورد مصور مشهور بأن الصورة السلبية الفوتوغرافية هي مجر مصادفة تقنية. أقنع ذلك العلماء ليستشفوا أن الكفن المقدسي كان أثرا مزيفا مثل الآلاف القطع التي يعتقد أنها الصليب  الحقيقي والمنتشرة في كنائس العالم المختلفة. ثم دفعت الساحة بنصير جديد يدعى بول فينون وهو رسام أبدى اهتمام بعلم الأحياء حتى أصبح مساعدا للأستاذ بيفن ديلاك في جامعة السوربون. كان فينون كاثوليكيا أما ديلاك فينتسب إلى مذهب اللاإرادية وهو الذي عرض على فينون الصور الفوتوغرافية للكفن وآثار اهتمامه بالموضوع عام 1900 م ومما لا ريب فيه أن فينون قد أدرك أن الاختبار الدقيق هو الذي يثبت مرة واحدة وإلى الأبد فيما إذا كانت الصورة من صنع اليد على الكفن. فذهب إلى تورين وحصل على صورة الفوتوغرافية التي التقطها سيكوتروبايا بالإضافة إلى صورتين للكفن التقطهما في وقت ذاته رجلان آخرا. وكان السؤال الأول الذي طرحه فينون على نفسه هو كيف تم وضع البقع البنية وإذا كان قد رسمها فهل كان بإمكانه رسم مثل هذه الصورة السالبة المؤثرة؟

قد يعني هذا أنه كان يرسم دون أن ينظر حقيقة إلى ما كان يعمل، وبحس الفنان. أدرك فينون أن ذلك غير ممكن، لأن التصوير الفوتوغرافي لم يكن معروفا في عام 1353، لذلك فإن الفنان لم تكن لديه وسائل لفحص عمله ولماذا أراد أن يرسم صورة سالبة وإذا كان القصد تظليل الحجاج فمن المؤكد أنهم يفضلون وجها يمكن تميزه.

حاول فنون أن يطلي وجهه بغبار الطباشير ومن ثم اضطجع وغطى وجهه بقطعة قماش ضغط بلطف على وجهه فكانت النتيجةأن طبعت مناطق التماس على قطعة القماش مكان الشكل الإجمالي يقعا لا تحدد ملامح محددة ولا حتى صورة سلبية. وإذا كانت الصورة قد أنتجت بطريقة التلامس فلا يمكن أن تكون قد تولدت من هذا النوع من التلامس، إذن في هذه الحالة، أي نوع من التلامس هذا؟

أحد الألغاز هو أن الطبع شمل حتى تجاويف الوجه حيث تظهر في الصورة قصبة الأنف على الرغم من أن وضع قطعة قماش على وجه لا تمس قصبة الأنف. هل يمكن افتراض أن الصورة نتجت بتأثير العرق؟ وكانت مراهم الدفن الشائعة في زمن الصلب هي صمغ المر والآلو وهي مواد يمكن للعرق أن يؤثر فيها والعرق يحتوي على مادة تدعى اليوريا والتي تتحول إلى الامونيا ذات الرائحة الكريهة، وقد لوحظ أن العرق ينتج بقعا بنية على قطعة القماش إذا بللت فيها.              

من الغريب أن يصبح اللاارادي ديلاك أخيرا مقتنعا أن الكفن حقيقي وغير مزيف على الرغم على أنه لم يكن مسيحيا متزمتا. ويظهر على الصورة الفوتوغرافية للرجل آثار سوط وطعنة رمح في جهة واحدة وعلامات على الجبهة قد تنطبق على إكليل الشوك وهناك آثار مسامير على المعصمين والقدمين. وعلى الرغم من أن أغلب رسوم الصلب تظهر عليها مسامير غرزت بالكفين فإن فينون برهن أن ذلك لا يمكن أن يقيد رجلا على الصلب، وفي الحقيقة ظهر البحث التاريخي أن المسامير أثناء الصلب غرزت في المعصمين وليس في الكفين وقرئ التقرير الذي أعده فينون وديلاك في أكاديمية العلوم يوم 21 أفريل 1902 وآثار ضجة وصار فينون وديرك بين مادح وقادح. ومن الغريب أن بعض الكاثوليك المؤثرين ما انفكوا يعتبرون الكفن خدعة. وكان اليسوعي الأب هربوت نرستن من شارع فارم في لندن قد شارك في الموسوعة الكاثوليكية بموضوع بين فيه وجهه نظره أن الكفن كله مجرد مساعدة دينية رسمية وتبرع به ناسك من القرن الرابع عشر.

للحد من هذا الجدل، وبعد ما يقارب ثلاثين عاما وفي ماي 1931. تقرر أن يعرض الكفن ثانية في الاحتفال المتأخر لزواج ولي العهد امبرتو والتقطت صور فوتوغرافية كثيرة قام بالتقاطها غايسب آري وكانت أحسن بكثير من الصور الفوتوغرافية الأولى التي التقطها بايا وكان الحس الواقعي فيها أقوى وفوق ذلك فإن الاختبار الدقيق للقماش يثبت أن نظرية الرسم بعيدة الاحتمال.

فالأصباغ يتشربها القماش، لكن البقعة البنية كانت على سطح القماش ولم تظهر للعيان شظايا للأصباغ حتى باستخدام المجهر. وقد عرضت الصور الفوتوغرافية على خبير التشريح الفرنسي بير باريت الذي واصل دراستها بتفصيل دقيق وأظهرت الصور أن المسمار الذي اخترق المعصم خرج من ظهر الكف. أيمكن أن يكون هذا غلطة مزور؟

حاول باريت غرز مسمار في معصم ممزق وعندما اصطدم المسمار بالعظم انزلق إلى الأعلى وخرج من نفس المكان الذي ظهر في الصورة. كما ظهر على كل معصم أثران للدم كما لو كان المعصم في موقعين مختلفين وبرهن باريت أن الرجل الذي يعلق من المعصمين يختنق في الحال ولذلك فإنه يدفع جسمه إلى الأعلى ليتنفس وهو واقف على المسامير التي تمسك قدميه، لكن هذا سيرهقه بسرعة فينخفض جسمه ثانية، وينطبق أثر الدم تماما مع هذين الوضعين واعتمادا على وصف الرول جون للرمح المغروز في جانب جسد المسيح الميت ( وفي الحال خرج دم وماء ) أي مزيج من الدم وسائل شفاف. وأوصلت كل هذه التحقيقات باريت إلى صورة مروعة عن معاناة رجل يموت على صليب وعند هذا الحد اعترف أنه لم يعد يجرؤ على التفكير فيها وأصبح كتابه آلام المسيح الجسدية. موضوع مواعظ لا حد لها في أعياد الفصح وباريت نفسه تأثر عاطفيا عندما  تمكن من إلقاء نظرة عن كثب على الكفن في أكتوبر 1933 وأدرك أن بعض البقع البنية كانت بقع دم من دم المسيح.

سجد بعدها على ركبتيه و حني رأسه إجلالا. واتضح أمر واحد وه أن المعلومات التي احتواها الكفن كانت معقدة جدا لدرجة أن فرصة كونه حقيقيا كانت واحدة في الألف وأصبحت دراسة الكفن علما يحد ذاته أطلق عليه اسم سندونولوجي وهو مشتق من كلمة سندون الايطالية التي تعني كفن واضحي بول فينون المؤسس المشهور لهذا العلم . وكان قد اقترح رأيا مثيرا وهو أن الكفن قد يكون سبب التغير المفاجئ في تماثيل المسبح في زمن الإمبراطور قسطنطين ( 247 ـ 337 م ).

ففي القرون الأولى بعد صلب المسيح كانت صورة تظهره شابا غير ملتح ثم بعد ذلك تظهر صورة رجل ذو لحية وشارب، هل يمكن أن يكون اكتشاف الكفن سبب التغيير؟

درس فينون مئات الرسوم وانتهى إلى أن عددا كبيرا منها قد تأثر بالكفن وعلى سبيل المثال، كان هناك مربع صغير فوق الأنف بسبب عيبا في نسيج القماش وقد وجد هذا المربع في العديد من صور المسبح، وفيما يسمى وجه ايديا المقدس وهي لوحة تعود إلى قرن بعد قسطنطين كان هناك شبه واضح بينها وبين الوجه المرسوم على الكفن. وبرهن عالم آخر وهو أبان ولسن بشكل مقنع أن الكفن مطابق للأثر المعروف ب ( مانديلاين ) وهو المنديل الذي مسحت به القديسة فيرونيكا وجه المسيح عندما كان في طريقه إلى كالفاري والذي طبعة عليه وجه المسيح بمعجزة. والمانديلاين أو الأثر الذي يدعى أنه منديل القديسة فيرونيكا الأصلي. كان محفوظا في بيزنطة. حتى نهبها الصليبيون عام 1204 وقد جاء إلى هناك من ايديا ( أرفا في تركيا حاليا ) في أوت 994 م.

يبرهن ولسون أن الكفن كان مطويا ولذلك لم يكن يظهر عليه إلا الوجه وأنه نفسه مانديلاين. وفي كتابه كفن تورين كتب ولسن أكثر من مائة صفحة في دراسة المصادر الوثائقية ومحاولة تعقب تاريخ الكفن مانديلاين قبل ظهوره في أوساط القرن الرابع عشر. وكانت ذات براهين طويلة لا مجال لتفصيلها هنا، لكن إعادة التنظيم التجربة كالآتي.

بعد صلب المسيح في حوالي 30 بعد الميلاد كان الكفن مطويا ومخبأ وذلك لطبيعته غير النظيفة كونه قماش دفن. وأخذ إلى ايديسا ةفيها مجتمع مسيحي مزدهر، ولكن عندما ارتد ماثيو السادس عام 57 بعد الميلاد واضطهد المسيحيين تم إخفاء الكفن في كوة في جدار فوق بوابة ايديسا الغربية. وعلى الرغم من أن المسيحيين عانوا ثانية بعد 120 سنة بقي مكان الكفن مجهولا. وفي الفيضانات الشديدة التي أصابت ايديسا عام 525 م والتي أزهقت أرواح ثلاثين ألفا ودمرت العديد من البنايات العامة، عثر على الكفن ثانية عند إعادة بناء الجدران. وهذه الرواية تناقض بالطبع افتراض فينون أن الكفن عثر عليه ثانية في عهد قسطنطين قبل ثلاثة قرون.

في عام 942 م حاصر الجيش البيزنطي ايديسا وعرض إخلاء المدينة مقابل مانديلاين. وهكذا نقل مانديلاين إلى القسطنطينية، واكتشف أنه كفن طمر في عام 1045 م وذلك عندما حاول أحدهم فتح إطار مانديلاين لتجديده. وفي عام 1204 وعندما أخذ الصليبيون القسطنطينية من الإغريق المسيحيين اختفى الكفن ثانية ولا يعرف ماذا حدث بعد ذلك إلا حدس واحد وهو أنه وقع في أيدي الداويين الذين اهتموا بعبادة رأس رجل ذي لحية شقراء. وفي عام 1291 وبعد سقوط أكرى وهي مكان ثروة الداويين، جلب القماش إلى صيدا ثم إلى قبرص.

في عام 1306 انتقلت ثروة الداويين إلى فرنسا حيث جلبها جاكسن مولاي وفي أكتوبر 1307 ألقي القبض على الداويين بأوامر الملك فيليب العادل الذي كان تواقا لوضع يده علة نقودهم. وفي مارس 1314 أعدم حرقا كل من جاكسن مولاي وجفري دي شرناي الزعيم الديني. ولا يعرف فيما إذا كان جفري دي شرناي يبدو أنه هو الذي عرض الكفن هناك حوالي عام 1355 وعندما قتل جفري وبوتيرس في سبتمبر 1351 تحولت ملكية الكفن إلى ابنه الصغير و الذي يدعى جوي أيضا عرض الكفن ربما للحصول على النقود في عام 1357. لكن هنري أسقف كنيسة بوتيرس أمر بالتوقف عن عرضه.

في عام 1389 تم عرضه مرة أخرى مما آثار حفيظة بيتر وارسين أسقف كنيسة ترويز الذي ناشد الملك والبابا لوضع اليد على الأثر وأكد أن الكفن زيفة فنان حوالي عام 1355، وقد ساند البابا عائلة ديشارلي، لكن محاولة الأسقف أخفقت وفي عام 1400 وبعد وفاة جفري ديشارلي الصغير تزوجت ابنته مارغريت من همريت أحد سكان فلر سكلي وسلم الكفن له لغرض الحفاظ عليه وتم وضعه في كنيسة القديس هيبوليت على نهر دوبسن وصار يعرض سنويا في مرج على النهر دوبسن عرف فيما بعد بمرج المنفذ.

حاول كهنة كنيسة لبري استعادته حوالي عام 1443 وعلى الرغم من أنهم نجحوا في حرمان مارغريت من الكنيسة إلا أنهم أخفقوا في الحصول عليه.           

عندما توفيت مارغريت عام 1460 تحولت ملكية الكفن فورا إلى دوق سافوي الذي منح مارغريت قلعتين فرنسيتين. وفي عام 1552 أودع الكفن في قلعة شامبري وبعد ثلاثين سنة أتلفت النار أجزاء كبيرة منه ثم أخذ الكفن إلى كنيسة تورين عام 1578 حيث بقي هناك منذ ذلك الحين عدا أيام الحرب العالمية الثانية حيث نقل إلى دير مونت فرجين في اميلينون لضمان سلامته.

في عام 1955 جلب الكابتن فتاة اسكتلندية مشلولة إلى تورين وسمح لها بحمل الكفن في حضنها ومع ذلك لم تشف. ربما بسبب هذا الإخفاق قرر بلفرينو كاردينال كنيسة تورين القيام بمحاولة فاصلة لإثبات أصالة الكفن أو استخدام الوسائل العلمية لإثبات ذلك.

في جوان 1969 سمح لهيئة علمية بالكشف على كفن والتقطت صور أخرى له بعضها ملون قام بالتقاطها كل من جيوفاني و باتستا جوديكيا وكورد غليا. ودرست الهيئة الكفن لمدة يومين وطلبت إجراء سلسلة من الاختبارات والتي شملت إزالة النماذج الأصغر. ووافق الملك أمرتو الثاني المنفي في البرتغال إجراء الاختبارات. في نوفمبر 1973 عرض الكفن لأول مرة على شاشة التلفاز وفي اليوم التالي نقل إلى غرفة صغيرة خلف كاتدرائية تورين ونقل بعناية  مجموعة من سبعة عشر نموذجا ونقل كذلك جزءا من القماش الذي يغطيه والذي خاطته الراهبات بعد تعرضه للنار.

كشف غطاء هنا عن الحقيقة المثيرة وهي أن الصورة لم تنفذ إلى الوجه الثاني من القماش وفي الحقيقة أن الاختبار الدقيق للخيوط بين أن البقعة البنية كانت مقتصرة على سطح القماش وهذا قد يلغي احتمال وجود دم حقيقي. وهنا نتذكر بيير باريت حين سجد على ركبتيه عندما صدمته الحقيقة أنه كان ينظر في بقع دم حقيقي، ثم بينت الاختبارات بأنه ليس ثمة دم على الكفن. وجاء عالم أخر هو الدكتور ماكس فري خبير في غبار الطلع واحد أو اكتشافاته كانت حبوب غبار طلع من شجرة أرز لبنان، عدا ما انتشر من هذه الشجرة خارج لبنان وخاصة في المنتزهات العامة ثم توصل إلى شيء كشف الكثير وهو حبوب طلع لنباتات فريد تعيش في غور الأردن متكيفة للتربة ذات النسبة العالية من الملوحة، وراح يحدد هوية تسعة وأربعين نوعا من حبوب الطلع أغلبها من القدس و أخرى من استانبول القسطنطينية وغيرها من ليرفا اديسا ومن فرنسا وإيطاليا وقدم هذا دليلا قاطعا على أن أصل الكفن من الأرض المقدسة وانتقل إلى تركيا ثم فرنسا وإيطاليا وكان هذا أكثر الاكتشافات إثارة دون شك المنبثقة من اختبار عام 1973.

في هذا الاختبار كان بحثا مهما آخر يقوم بإجازته في أمريكا الفيزيائي جون جاكسن وصديقه الدكتور اريك جمير كابتن في القوة الجوية الأمريكية واستخدما  كفنا وهميا باستعمال الشفافية وحدوا كل السمات الرئيسية للكفن على قطعة قماش مشابهة ووضعوا الكفن الوهمي على رجل مضطجع ثم عينوا علامات البقع البنية الداكنة نسبيا واكتشفوا حقيقة غريبة وهي أن العلامات كانت أوضح في أماكن تلامس القماش مع الجسم واتضح أن لها علاقة بنسبة المسافة التي يبعد فيها القماش عن اللحم، على سبيل المثال كانت البقع باهتة حدّا أسفل الذقن حيث يكون القماش مشدودا بين الذقن والصدر، ولكنهما في عام 1976 توصلا إلى أكثر المعلومات إثارة وربما أكثر الاكتشافات تشويقا منذ الصورة الفوتوغرافية التي التقطها سيكوتروبابا.

فقد قررا إخضاع الكفن لعملية تعزيز الصورة وهذه تقنية حديثة الغرض منها تحليل الوضوح النسبي في مقاطع الصورة الفوتوغرافية وعلى سبيل المثال التقطت احدها بواسطة مجس المساحة وتم تكثيفها بصورة انتقالية لاستخراج الصور النحتية وقد استخدمت هذه الطريقة على الصور الفوتوغرافية لوحش بحيرة نيس وبما أن جهاز تعزيز الصورة بإمكانه أيضا أن يعطي معلومات عن المسافة فإنه كذلك يستطيع تحويل الصورة الفوتوغرافية المستوية إلى صورة ذات ثلاث أبعاد وهو ما يساوي تحويلها إلى تمثال والتمثال يمكن بعد ذلك تحريكه من جهة إلى أخرى. ومن القطعة الشفافة الصغيرة للكفن حصل جاكسن وجمير على صورة كاملة ومدهشة للوجه.

أثبتت أن العلامات البنية على الكفن توفر بالفعل للعقل الالكتروني معلومات كافية لإعادة صياغة الأصل وذلك يبعد بالفعل احتمال أن الكفن كان رسميا مزورا. في الحقيقة كما أشار جاكسن وجمير فإن الكفن أفضل بكثير في نواحي عدة من الصورة الفوتوغرافية الحديثة فربما لا تحتوي الصورة الفوتوغرافية علة معلومات كافية عن المسافة لتكوين تمثال دقيق، لذلك فإن المحاولة التي أجيزت لتحويل الصورة الفوتوغرافية للبابا بيوس الحادي عشر إلى صورة ذات ثلاثة أبعاد، جعلت الأنف مسطحا وشوهت الفم وجعلت العينين عميقتين ا:ثر من الطبيعي، وكانت الصورة التي على الكفن أذق من ذلك بكثير وكشفت كذلك شيئا لم يكن معروفا أبدا وهو الدراهم التي وضعت في كلتا العينين استنادا لمراسيم الدفن اليهودي في ذلك الزمان.

كان باحثان آخران وهما دونالد لين وجان لور قد تمكنا من تحديد هوية الدراهم تجريبيا على أنها لبتونات أو فلس الأرملة في العهد الجديد، وفي عام 1944 تقدم الدكتور ورلتر ماكرون وهو محلل مجهري في جامعة شيكاغو بطلب بأخذ نماذج من الكفن و كان ماكرون قد دحض نظرية خارطة فنلاند التي تفترض أن قرصانا  اسكندنافيا اكتشف أمريكا عندما برهن أنه برغم أن الرق الذي رسمت عليه الخارطة يعود إلى العصور الوسطى إلا أن الخبر يحتوي على مواد لم تستعمل إلا بعد عام 1920.

صرح ماكرون أنه باستخدام المجهر الالكتروني سيتمكن من تحديد طبيعة صورة الكفن، وفي عام 1977 تضاءلت فرص الحصول على قطع من الكفن. وقد طالبت تورين بإعادة النماذج الصغيرة، ثم عين كاردينالا جديدا لكنيسة تورين وهو انستاسيو بالسلريو الذي نظم عرضا جديدا للكفن وكان واضحا أنه لم يكن كارها لإجراء المزيد من الاختبارات العلمية. واستطاع جاكسن وجمير ولين ولور الحصول على المزيد من المواد وأخذ ماكس فري المزيد من غبار الطلع  والنماذج وأخذ ماكرون نماذج اختبار وكانت نتائج ماكرون نتائج مخيبة لأمال المؤمنين وأعلن أن اختباره المجهري كشف له آثار وأكسيد الحديد وجزيئات أصباغ على الكفن وخلص إلى القول أن هذا أثبت أن الكفن مزيف، وأشار علماء آخرون إلى أن الكتان منقع في الماء قبل تحويله إلى أقمشة كتانية وقد يكون هذا مصدر الآثار الدقيقة لأكسيد الحديد، وعلاوة على ذلك فقد تعامل مع الكفن العديد من الفنانين، وتحوي النسخ العديدة المنتشرة في أنحاء أوروبا نقوشا تؤكد أنهم تعاملوا بشكل مباشر مع الكفن المقدس في تورين وبذلك يبدو أن قيمته قد تضاءلت. لا شيء أكثر احتمالا من أنه فيه آثار الأصباغ التي استخدمت في مثل هذه النسيج    

في زمن كتابة هذه الأسئلة وبقائها دون حل، كانت المدرسة التشكيكية قد عادت إلى التأكيد القديم الذي قاله أول مرة الأب يولبس شيفاليه بأن الكفن مزيف والذي ظهرت خواصه بعد أن أخضع للتصوير ومن ثم تعزيز الصورة وتبين أنها تعزى بطريقة أو بأخرى إلى تخمر الصبغة الأصلية وهذا الاعتقاد يبدو الآن قليل القيمة كما كان يبدو عند بداية القرن العشرين وربما يكمن الحل النهائي في نظير كاربون إذا أثبت أن الكتان الذي صنع منه الكفن يعود تاريخه إلى فترة طويلة بعد الصلب وهذا ما لم يتم إجراؤه عندما  كتب هذا الكتاب لأن طريقة نظرية الكاربون مازالت في تقنيتها تضم مخاطر تدمير القطعة الصغيرة من الكفن. يبد أنه يتضح أن الموافقة على هذا قد تم الحصول عليه الآن ولكن حتى  لو ثبت أن الكفن يعود في تاريخه  إلى زمن الصلب كما يبدو محتملا في نتائج غبار الطلع التي خرج بها ماكس فري فإننا ما زلنا نواجه لغز كيفية انطباع الصورة عليه، ووعزى المحققون الأمريكيون تشابه العلامات إلى حروق إشعاعية بسبب تفجيرات ذرية واعتقدوا أن الصورة ربما طبعت على الكفن بفعل انفجار إشعاعي قصير الأمد مكثف وربما عندما أعيدت الحياة إلى المسيح في القبر.

يواجه التشكيكيون هذا بالسؤال، لماذا تكون المعجزة في الإشعاع الذري؟ ويبدو سؤالهم غير قابل للإجابة وكذلك الحال بالنسبة لدليل الكمية غير الاعتيادية في المعلومات التي حوتها رموز الكفن. وحين ثبت أن الكفن مزيف في القرن الرابع عشر فإن المعجزة ستكون عظيمة بمقدار عظمتها لو أن الكفن ثبت أنه حقيقي.

 

ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق