ورد في كتاب طبع في فرنسا عام 1978 أن هاري ويتكلف أبشع القتلة الانجليز الذي قتل نحو أربعين امرأة قد انتحر في سجنه في برلين في منتصف عصر الجاز. ولكن لم يحظ هذا الاسم بشهرة واسعة النطاق بين دارسي الجريمة على الأقل؟ إن هذا يرجع إلى أنه قد انتحل اسم لوفاك بلوم عندما ألقي القبض عليه وأن انتحاره قد حجب هويته الحقيقية عن السلطات. يذكر الكاتب أنه ظهرت في لندن في بداية العشرينات من القرن الماضي مجموعة من المقالات الرائعة. كانت تضم سلسة من المجموعات القيمة لأوسكار وايلد. يبد أن مؤلفها هاري ويتكلف آثر أن لا يظهر وبقي محتجبا عن الأنظار، وعاد الصحفيون الذين كانوا يودون لقائه بخفي حنين. وعندما اعتقد الناس أن ويتكلف كان اسما مستعارا لكاتب مشهور مثل برنارد شو أو ربما ت. س. اليوت، قرر الظهور. كان وقتذاك يبلغ من العمر الثانية والعشرين، أنيقا، محبوبا، غريب الأطوار ومولعا بالرياضة. كان أيضا كريما وقيل أنه اختتم إحدى أماسيه الصاخبة عندما منح شحاذة جميلة خمسمائة باوند دون أي مقابل. أعلن أنه يعشق الورد ولكنه لم يكن ليترك جذورها تطول إلى العشرين سنتيمترا. لقد كان ويتكلف من الطراز الذي يعشقه الإنجليز وسرعان ما حظي بشهرة واسعة. كان قد مارس كتابة المقالات والشعر والمسرحيات وعرضت إحدى مسرحياته المسماة " سيميليا" أربعمائة مرة متتالية في لندن قبل أن يجوب بها أنحاء إنجلترا. فدرت عليه ثروة سرعان ما وزعها على أصدقائه حتى أصبح في مستهل عام 1923 أحد ملوك المجتمع اللندني. في سبتمبر من ذات السنة باع كل ما يملك وأوكل إلى ناشره كافة أعماله ومن ثم اختفى. لكن ويتكلف ظهر ثانية في درسدن قبل انصرام السنة حيث كانت المسارح تعرض "سيميليا" بنجاح منقطع النظير وترجمها المؤلف نفسه من الإنجليزية إلى الألمانية وقدمت في العديد من المسارح على طول نهر الراين. فأسس دار دوريان فيرلاغ لنشر الشعر المعاصر وأعمال الرسم الحديث وتعد مطبوعات هذه الدار ثروة بحد ذاتها. يبد أن طابع الغموض بقي غالبا عليه، فكان يعدو كل صباح على طول ضفاف نهر الألب حتى التاسعة وفي الساعة السادسة مساء يمضي إلى المعارض الأدبية والفنية ويلتقي بأصدقائه ثم يعود إلى منزله في الساعة التاسعة مساء ولم يعرف أي مخلوق ما كان يفعله بقية المساء ولم يتعرض لمثل هذا السؤال. إن سبب انتظام حياته هي علاقته الغرامية مع فتاة تدعى "والي فون هامرشتبن". التي تنحدر من أبوين أرستقراطيين شديدي الإعجاب بهذا الكاتب الشاب وكان من المقرر أن تعلن الخطوبة في 4 ديسمبر 1924. في الليلة السابقة لهذا التاريخ اختفى ويتكلف ولم يتواجد في مكتبه وشقته واستماتت والي في البحث عنه في درسدون دون جدوى. فوضعت الشرطة في حالة إنذار سري وقامت بتحقيقات . وكانت نظريتهم أنه قد انتحر بينما كانت والي تعتقد أنه إما أصابه حادث أو كان ضحية لجريمة ما فغالبا ما كان يحمل معه مبالغا كبيرة. وعندما مرت أسابيع من البحث، استحال يأسها إلى كآبة وبدأت تتحدث عن رغبتها في الدخول لدير الراهبات لكنها فجأة تسلمت رسالة كانت قد وجدت في زنزانة رجل متهم انتحر في برلين عندما نجح في تمزيق أوردته بواسطة ابزيم حزامه. وتقول الكتابة الموجودة على ظرف الرسالة التي تحمل توقيع لوفاك بلوم. " سيدي النائب الرايخ أتوسل إليك أن تنقل هذه الرسالة إلى صاحبها دون أن تفتحها". لقد كان بلوم من أعنف القتلة وأقسى من جاك السفاح وبيتر كرتن والسادي دوسلدورف. اعترف صراحة أمام المحكمة التي حاكمته:" في كل عشرة أيام علي أن أتصيد ضحيتي، إنني منجرف بتيار رغبة جامحة أعاني بوحشية ريثما أقتل وحالما أنتزع أحشاء ضحيتي تغمرني بهجة لا توصف". وعندما سئل عن ماضيه أردف قائلا:"أنا جثة، افتكثرت الجثة لماضيها"؟ كانت ضحايا بلوم من البغايا وبنات الشوارع يصطادهن في الشوارع برلين ويصطحبهن إلى فندق ويقتلهن حالما يتعرين. يستخدم بعدئذ سكينا تشبه الخنجر الماليزي ذات قبضة عاجية وينجز عملية تمزيق رهيبة جدا. بحيث أن الأطباء أنفسهم وجدوا أن المشهد لا يطاق. استمرت جرائم القتل هذه لأكثر من ستة أشهر خيم على أزقة برلين جو من الهلع. ,أخيرا ألقي القبض على بلوم في سبتمبر من عام 1924 عندما اعتقدت الشرطة أن مشترك في عملية تهريب مخدرات فطوقوا باب غرفته في الفندق بعد دخوله بلحظات مع مومس. لقد ارتكب بلوم لتوه جريمته الواحدة والثلاثين وكان ينتصب عاريا على مقربة من النافذة وجسد المرأة بين أقدامه. لم يبد أي مقاومة واعترف صراحة بجرائمه فتذكر سبعة وعشرين منها. لقد أعلن أنه لا يخشى الموت. خصوصا وأن الطريقة التي ينفذ فيها الإعدام في ألمانيا بواسطة المقصلة التي يفضلها كثيرا على طريقة الإعدام شنقا في بريطانيا. لقد كان هذا هو الرجل الذي انتحر في سجنه والذي وجه رسالة مطولة إلى خطيبته والي فون هامر شنتين حيث أخبرها أنه صورة الشيطان الذي ينبض بالحياة لأنه التقى به وشرح لها أنه أنه من طراز جايكل والمستر هايد، الرجل الذكي والموهوب الذي تحول فجأة إلى وحش ومصاص دماء وتخيل أنه ضحية من ضحايا الاستحواذ الشيطاني. ترك لندن بعد أن ارتكب تسعة جرائم بعد أن أحس أن شرطة التحري تلاحقه. كان حبه لوالي عظيما. لقد أخبرها ذات مرة أنها قد تطرح الأرواح الشريرة من جسده، ولكن الأيام أثبتت أن تلك كانت محاولة فاشلة. أغمي على والي حال قراءتها الرسالة فالتحقت بدير الراهبات عام 1925 باسم ماري دي ولوز حيث تضرعت إلى الله لإنقاذ الروح المعذبة. هذه هي القصة التي سردها لويس بوولز الكاتب الذي غدا مشهورا لتعاونه مع جاكرز بيكر في كتاب يحمل عنوان "ظهور السحرة". أشار النقاد أ، هذا الكتاب يغص بالأخطاء ويلاحظ الكثير منها في فصل ويتكلف فمثلا إذا كان تاريخ إلقاء القبض على بلوم صحيحا في 25 سبتمبر 1924. فإنها حصلت قبل غياب ويتكلف من درسدن في الثالث من ديسمبر من عام 1924، وإن كنت أعتقد أن ذلك مجرد زلة قلم. لكن من هو هاري ويتكلف؟ يقول بوولز إن ويتكلف أخبر المحكمة أن والده ألماني وأمه دانمركية وأنه قد ترعرع في كنف عمه القصاب في سدني في أستراليا. يبين بوولز في الحوار بينه وبين زميله المؤلف في نهاية أحد الفصول أن ويتكلف ابن لعائلة إنجليزية عريقة، وإذا ما تجاهلنا القضاة الثلاثة الذين فتحوا رسالة بلوم ـ متجاهلين بذلك وصيته ـ فإن والي ووالديها هم الذين يعرفون هوية ويتكلف الحقيقية لا غير. فالقضاة ووالداها من عداد الموتى وأن والي الراهبة ذات الخمسة والسبعين عاما لم تفصح لأحد عن قصة شبابها وإن كنا نعتقد أنها أخبرت بوولز بالقصة. أثارت هذه الحكاية الغريبة فضول المؤلفة الفرنسية المشهورة "فرانسواز دي أوبون". التي شعرت أن ويتكلف يستحق أن يؤلف بحقه كتاب. يبد أن رسائلها لبوولز و بريتون لم تلق جوابا، فاتصلت بالجمعية البريطانية للبحث المسرحي وبشكل خاص مع المؤرخ المسرحي جون كيندي ميلنغ. لم يسمع ميلنغ ب ويتكلف أو بمسرحية عنوانها سيميليا، فشرع باتصالاته مع شرطة التحري ليعرف ما إذا كانوا يحتفظون بأية وثيقة لقاتل جنسي مجهول في بداية العشرينات. لم تجد الشرطة أية وثيقة في أرشيفها، ولم تكن هنالك سلسلة من جرائم قتل البغايا التي تشابه طريقة الريبر في بداية العشرينات. اتصل ميلنغ بعد ذلك بجي ه. هكوت صاحب أكبر مكتبة للجرائم في الجزر البريطانية فلم يعثر على سلسلة جرائم جنسية في بداية العشرينات ولم تشر المراجع المسرحية إلى هاري ويتكلف أو مسرحية ناجحة بعنوان سيميليا. وبدت القضية ـ على نحو لا يمكن تصديقه ـ أن بوولز قد اختلق ببساطة كامل القصة. كما لم تعثر ثيلما هولاند زوجة ابن أوسكار وايلد على كتاب يضم الآثار الأدبية لوايلدبين المجموعة الكاملة لزوجها الراحل فيفيان هولاند. واقترحت إرسال طلب استفسار لمكتبة مينشل في سدني. ولأن ميلنغ أسترالي اعتقدت ثيلما أن هذه أفضل فرصة تمكنها من اقتفاء أثر هاري ويتكلف. وما يثير الاستغراب أن هذه المحاولة الطويلة أثمرت عن نتائج إيجابية، ليس فيما يتعلق بهاري ويتكلف ولكن عن قائل ألماني اسمه ولهلوم بلوم وليس لوفاك بلوم، إذ نشرت جريدة أرغس الصادرة في 8 أوت 1922 قصة بعنوان " قاتل مثقف". وعنوانا فرعيا " سلسة جرائم أديب" للعدد الذي صدر في برلين في 7 أوت جاء فيه. " أدلى ولهلوم بلوم الرجل دو الشفافية الواسعة والمواهب الأدبية الخصبة الذي قدمت ترجمات مسرحياته الإنجليزية في درسدون بنجاح منقطع النظير اعترافا بارتكابه سلسلة من الجرائم المميتة، ارتكب احدها في فندق الدون أحد فنادق برلين العريق". إن أهم فقرة في تقرير الجريدة أن بلوم أمس دار نشر باسم صحافة دوريان فيرلاك في درسدون وهو من الواضح نفسه بلوم، الذي انتحر في برلين كما يقول بوولز. لم يكن ولهلوم بلوم قاتلا جنسيا، فضحاياه كانوا من رجال البريد بدافع السرقة. ففي ألمانيا تحمل الطرود البريدية إلى الدور، لذا يحمل رجال البريد معهم عادة مبالغ كبيرة. أرسل ولهلوم لنفسه عدة حوالات بريدية، وقتل سعاة البريد و سرقهم، ولم تحدد الارغس عدد الضحايا. في المرة الأولى التي نفذ فيها العملية اعترضته مالكة الأرض وهو يشنق ساعي البريد فاضطر إلى قتلها. انتقل بعد ذلك إلى درسدون وبعد برهة وجيزة حاول سرقة ساعي بريد، إذ تربص في فناء الدار وفي يديه مسدسان، يبد أن وصول المستأجر مبكرا على غير عادته اضطره للهرب فأطلق النار على أحد رجال الشرطة وعندما فشل مسدساه في إطلاق ألقي القبض عليه. تبين الأرغس أنه حاول الانتحار في السجن وفشل، إلى أن أعدم في عام 1922 على الرغم من أن الأرغس لا تذكر وثائق أكثر عن هذا الموضوع. يبقى إذن السؤال المحير، من هو هاري ويتكلف؟ أو يمكن التساؤل: من هو ولهلوم بلوم؟ إذ أن بلوم ويتكلف هما نفس الشخص على ما يبدو. ومن المعلومات المتبسرة لدينا نستطيع القيام بصياغة تجريبية لقصة بلوم ـ ويتكليف. فهو يشابه طرازا معينا من القتلة المحتالين مثل لاندرو وبيتوت وهيغ سفاك الدماء والقاتل الجنسي نيفيل هيث, ومثل هذه الشخصيات عادة ما تكون جذابة وتبدو أنها تعيش حياة ناجحة. وتسرد أقاصيصا عن انتصارات الماضي ( نيفيل هيث لقب نفسه فريق الكابتن روبرت بروك). ويبدو أن بلوم كان يسير على خطى هؤلاء. وفي حالة الفوضى التي ضربت برلين إبان الحرب جمع بلوم ثروة كبيرة بقتله سعاة البريد وسرقتهم وقد تكون محاولته الأخيرة درت عليه ثروة طائلة. وربما أن السلطات البريدية في برلين كانت تتربص لقاتل ما. وعندما أصبح الوضع مواتيا للاستقرار واستغلال مواهبه الأدبية، انتقل إلى درسدون مسميا نفسه هاري ويتكلف حيث أسس دار دوريان فيرلاك . وأصبح مترجما لمسرحيات إنجليزية ساعد في عرضها على مسارح درسدون على طول نهر الراين. ولأنه كان يدعي أنه من طبقة إنجليزية راقية فإننا نفترض أن إجادته الإنجليزية كانت مطلقة كما أن قصة ترعرعه في النمسا ليست بعيدة الاحتمال. ولأنه كان يتكلم الألمانية بشكل طليق، فإنه يصبح الافتراض ـ كما أخبر المحكمة ـ أنه ابن لأب ألماني وأم دنماركية. أحب بلوم فتاة من الطبقة الراقية وروى لها قصة عاطفية كحال عشاق اليوم: إنه ابن عائلة إنجليزية عريقة وأنه حقق نجاحا أدبيا بين عشية وضحاها في لندن بسبب مجموعاته الخاصة عن اوسكار وايلد ولكنه وفضل في بادئ الأمر تجنب الشهرة حتى جعل النجاح المتواصل هذا الأمر متعذرا. كانت ثروته محصلة مسرحية ناجحة. سيميليا تشابه العنوان مع سالوم أمر واضح ونستنتج من هذا أن بلوم كان شديد الإعجاب بأوسكار وايلد. على الرغم من تجنب الشهرة الواسعة فأن ضحايا الاحتيالات السابقة من شأنها أن تهدد كيان حياته الهادئ والمنظم. حياة السرقة في الخفاء. وفي الوقت الذي كان كل شيء يسير على ما يرام عندما كان قاب قوسين أو أدنى من أفق النجاح والاحترام والزواج السعيد فأنه استنفذ أمواله ثانية ولم يجد أمامه سوى حل واحد، عودة موجزة لحياة الجريمة، فسرقة واحدة أو اثنان من شأنها أن تعيد حسابه في المصرف وتضمن مستقبله. لكن هذه المرة كانت عليه العودة إلى الجريمة وبالا، فقد اكتشف هاري ويتكلف أنه اللص القاتل ولهلوم بلوم. لم ينف ذلك واعترف صراحة بجرائمه السابقة. لقد خسر كل شيء، وأرسل إلى برلين حيث يحاكم القتلة فيحاول الانتحار لكنه فشل وأعدم بعد ذلك بالمقصلة. هل هنالك ثمة حقائق عن ولهلوم بلوم موجودة الآن؟ يبدو أن وصف درسدون قد اتلف أكثر الوثائق المدنية وأن الناس الذين يعرفونه لأكثر من ستين سنة خلت يجب أن يكونوا من عداد الأموات. في نفس الوقت فإن بوولز واجه تفسيرا غير دقيق وغير منطقي بعض الشيء لسيرة حياة بلوم على أنه هاري ويتكلف. ومن المفيد معرفة مصدر معلوماته، ولكن فرانسواز دي اوبرن وجون كينيدي ميلنغ لم يوفقا في الإجابة عن هذا السؤال على ما يبدو.
ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة |
الأربعاء، 12 يناير 2011
من هو هاري ويتكلف؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق