الاثنين، 10 يناير 2011

الوخز بالإبر

تعتبر العمليات الجراحية المعقدة واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه العلوم الطبية الحديثة. إذ على الأرجح أن يعرف كل شيء عن عمل كل عضو في الجسم البشري قبل أن يلجأ إلى استخدام مهارته في الشق والقص والاستئصال، أو في زراعة عضو من الأعضاء. ولعل الأخطر من ذلك كله عمل طبيب التخدير الذي يضع المريض في حالة بين الحياة والموت. إذ عليه أن يعطي المريض قبل إجراء العملية جرعة من المخدر تجعله لا يحس بالألم ولا بما يجري له، وتبقى في الوقت نفسه على استجابات جسمه الحيوية. والتخدير لفترة طويلة قد يلحق الضرر الجسيم ببعض أعضاء الجسم. لذلك نجد آلاف الجراحين يودون إجراء عملياتهم دون تخدير مع الإبقاء على وعي المريض حتى يستجيب لتعليماتهم من جهة، ولكي يستفيدوا هم بدورهم من ملاحظاته واستجاباته.

الوخز بالإبر يوفر حالات كهذه، علاوة على أثره في شفاء كثير من الحالات المرضية بدون جراحة. فمنذ قرون وممارسو الوخز بالإبر يعلنون عن قدراتهم على شفاء أمراض خطيرة، وعلاج حالات الإدمان على المخدرات أو التدخين، وتخليص مرضاهم من الألم. كما ويجري بعض هؤلاء الأطباء عملياتهم الجراحية بدون تخدير مستعينين بطريقة الوخز بالإبر لجعل مريضهم لا يحس بالألم أثناء العملية.

الوخز بالإبر، بالنسبة للطبيب المدرب على أن المرض له أسباب عضوية، لغز محير. يبد أن الوخز بالإبر بالنسبة للطبيب الصيني القديم أو الحديث مجرد أمر بسيط، يؤمن التوازن الحيوي لمظاهر الحياة داخل الجسم. ولقد عرف الإنسان ممارسة الوخز بالإبر منذ 5000 سنة مضت. فقبل اكتشاف المعادن، استخدم الأطباء الصينيون إبرا من الصوان والعظام والقصب. وكان اكتشاف مفعول الوخز بالإبر صدفة، عندما لاحظ الأطباء الصينيون أن جرحى الحرب المصابون بسهام الخيزران كانوا يشفون من أمراض طالما عانوا منها قبل إصابتهم بتلك السهام. وبدراسة حالات عديدة كتلك تمكن الأطباء من تحديد قنوات تحت الجلد تمكن فيها القوى الخفية التي تتحكم بصحة الجسد. وقد تم تدوين تلك الخبرات قبل نحو 1500 سنة في كتاب بعنوان Yellow Emperor's Book Of Internal Medicine .

يتكون الكتاب من 34 مجلدا تشتمل على حوار مطول بين الإمبراطور هوانغتي وطبيبه الخاص تشاي باي حول خلاصة المعلومات المعروفة لأسباب الأمراض وعلاجها. وتفترض تلك المعلومات أن الصحة الجيدة تظهر في روح الحياة تشي التي هي عبارة عن توازن بين قوتين متكاملتين متضادتين هما الين ـ Yin و اليانغ ـ Yang .

يقال إن الين هي قوة مائية أنثوية لطيفة داخل البدن، تقابل وتوازن قوة اليانغ الجافة الذكرية الخشنة. وما المرض، بالنسبة لفلسفة الصحة الصينية، سوى اختلال الاتزان بين هاتين القوتين. أما الروح تشي فتسري في جسم الإنسان خلال 12 زوج من القنوات الممتدة على جانبي الجسد، بحيث يرتبط كل زوج بعضو حيوي. القلب والأمعاء الدقيقة، والمثانة، والكليتان، والحوصلة الصفراوية، والكبد، والرئتان، والقولون، والمعدة، والطحال، وعضوان غير معروفان في الطب الغربي، يضبطان الدورة وحرارة الجسم.

هذا، ويوجد على امتداد كل قناة عدد من نقاط الضغط، أو البوابات، التي تتحكم بجريان التشي، حيث يتم وخز الإبر. ذلك أن عملية الوخز قد تزيد تيار الين أو اليانغ لتحقيق التوازن بين القوتين، وبالتالي تحقيق الصحة والعافية. ولقد كان يعتقد بوجود 325 نقطة بعدد أيام السنة في جميع القنوات، غير أنه تم حتى اليوم تحديد نحو 2000 نقطة. ونقاط الضغط هذه لا توجد علاقة بين موقعها وموضع الألم في الجسم. والطب الغربي لا يعترف بوجود مثل هذه النقاط.

تبين الرسوم والخرائط الصينية الشبكة المعقدة لنقاط على امتداد القنوات عبر خطوط غير منطقية تمر بالجهازين العضلي والعصبي في الجسم. فأمراض الكلية مثلا ترتبط بنقاط في باطن القدم. واضطرابات القلب لها أكثر من 12 بوابة تمتد من الصدر إلى أطراف الأصابع. وفي بعض الحالات عندما تفشل الإبر في إحداث الشفاء يتم تزويد طرف الإبرة البعيدة عن الجلد بخلاصة أعشاب مشتعلة تساعد في سرعة الشفاء. بل هناك طريقة حديثة تزود اليوم طرف الإبر هذا بنبضات كهربائية خفيفة.

لقد حاولت السلطات الطبية عبر العصور منع العلاج بوخز الإبر باعتباره طبا زائفا. وليس الشفاء الذي ينتج عنه سوى أمر نفسي. يبد أن هؤلاء يتجاهلون أن الوخز بالإبر كان فعالا في الطب البيطري مع الحيوانات أيضا، حيث تم شفاء كلاب مصابة بالشلل على سبيل المثال عن طريق علاجها بوخز الإبر. كما أن الكتب القديمة أشارت إلى علاج الفيلة وشفاء أمراض العظام لدى الحيوانات عن طريق الوخز بالإبر.

لقد عرف الشرق الوخز بالإبر منذ قرون، غير أن أوروبا لم تعرفه إلا منذ 300 سنة فقط عن طريق بعثة تبشيرية يسوعية، ولم يحظ بالاهتمام إلا منذ عام 1939، عندما قام الدبلوماسي الفرنسي العالم جورج سولي دي موران بكتابة مرجع من خمسة مجلدات حول طرق الوخز بالإبر، فأحيا هذا النوع من الطب في أوروبا من جديد. واليوم يوجد في فرنسا وحدها أكثر من 1500 طبيبا يحملون ترخيصا باستخدام الوخز بالإبر في علاج مرضاهم. كما يوجد نحو 10 مستشفيات خاصة مجهزة بأقسام للعلاج بالوخز بالإبر.

أما في الصين نفسها، معه العلاج باستخدام وخز الإبر، فقد حظ هذا النوع من العلاج بين القبول والرفض. ففي عام 1822 أعلنت السلطات الصينية أن الوخز بالإبر عمل بربري دون العلاج بالأعشاب مرتبة، ومنعت مزاولته. يبد أن الوخز بالإبر ظل يمارس في المناطق النائية ثم عاد فازدهر ثانية في جميع أرجاء الصين. ثم تم منعه ثانية عام 1922 بعد فشله في إيقاف الطاعون الذي انتشر في منشوريا نتيجة تفشي التيفوس والدوسنطاريا.

لقد تم حظر الوخز بالإبر في عهد شيانج كاي شيك، والحكومة الشيوعية التي خلفته. غير أن الرئيس ماوتسي تونغ أعاد لطب الوخز بالإبر اعتباره، وسمح بممارسته إلى جانب الطب الغربي الحديث والجراحة.

في عام 1959 أعلن الأطباء الصينيون أن بإمكانهم تخدير المريض بغرس إبرتين فقط في مكانين مختارين بدقة تحت الجلد قبل إجراء العمليات الجراحية الخطيرة، أو عمليات الولادة. واليوم يستخدم التخدير بوخز الإبر في نحو 10 بالمائة من حالات المرضى الذين يتعرضون لعمليات جراحية. و هؤلاء لا يفقدون وعيهم، ولا يتعرضون لجرعات التخدير الذي قد يقضي إلى الموت. كما أن بعضهم يمكن أن يشرب الماء أو يبلع كميات ضئيلة من الطعام بناء على رغبة الطبيب الجراح، وهم يحسون بالمشارط والملاقط وهي تعمل في أجسادهم، ولكن بدون أي شعور بالألم. كما أن أطباء الأسنان الصينيين       أخذوا يتحدثون عن إيقاف الألم بمجرد الضغط بأصابعهم على نقاط حيوية معينة.

هناك اليوم في الصين أكثر من 100 نوع من العمليات الجراحية المختلفة تستخدم فيها طريقة الوخز بالإبر لمنع الإحساس بالألم. كما أن بين 15 و 20 بالمائة من العمليات الجراحية جميعا التي تجرى في الصين يتم فيها التخدير عن طريق الوخز بالإبر. وقد ثبت نجاح هذه الطريقة بنسبة 75 بالمائة من الحالات التي استخدمت فيها.

كما أن الوخز بالإبر يستخدم اليوم كذلك في علاج الحالات النفسية والاضطرابات العاطفية، وفي التغلب على الخوف والقلق وما شابه ذلك. لقد أخذ الأوروبيون ينظرون اليوم إلى العلاج عن طريق الوخز بالإبر نظرة أكثر جدية، ويجرون البحوث للوصول إلى سر فعالية هذه الطريقة في منع الإحساس بالألم، وفي علاج كثير من الحالات المرضية.  

 

غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق