الأربعاء، 12 يناير 2011

كاسير هوزر الولد القادم من اللا مكان

ربما تعد حالة كاسير هوزر من أعظم الألغاز التاريخية في القرن التاسع عشر وربما أكتر من ذلك. كان الشاب سيء الحظ موضوع تجربة قاسية مما تسمى هذه الأيام الحرمان الحسي. ونتائج هذه التجربة كانت بطريقة أو بأخرى أكثر إقناعا من لغز هوية كاسير الشيق باعتراف الجميع.

في يوم الأحد 28 ماي 1828 كانت ساحة الشليت خالية تقريبا حيث كان أغلب الناس في الضواحي الريفية يستمتعون بالعطلة وفي الساعة الخامسة عصرا كان ثمة شاب بدت عليه إمارات التعب يجرجر نفسه في الساحة وأوشك أن يتداعى بين يدي اسكافي المنطقة جورج وشمن. وكان ذا بنية قوية ولكنه يرتدي ملابس بالية ويسير بأسلوب غريب متيبس الأعضاء.

أخذ وشمن الرسالة التي قدمها له ووجد أنها مبعوثة إلى قبطان الفرقة الرابعة فوج الفرسان السادس. وبدا على الصبي عدم القدرة على الإجابة على الأسئلة، لقد كان يرد بغمغمة غريبة فشك وشمن بأنه ثمل فقاد الشاب إلى أقرب مخفر للشرطة وأخذه العريف إلى بيت الضابط وعندما عاد وستك إلى البيت  بعد ساعات وجد المكان متوترا. فقد تبين ن الشاب أبله. لقد حاول لمس لهب الشمعة بأنامله فصرخ عندما لذعته. وعندما عرضوا عليه اللحم والبيرة جعل يحدق فيهما و:انه لا يعرف ماذا يفعل ثم راح يأكل بنهم وجبة خبزا أسمر وماء. وكان يروعه صوت الساعة، والكلمة الوحيدة التي يعرفها الولد هي لا أعرف.

ثم تبين أن الظرف يحتوي رسالتين. الأولى:

فضيلة الكابتن، أرسل لكم صبيا يرغب في خدمة بلده في الجيش. لقد جلبوه لي يوم 7 أكتوبر عام 1812 وأنا عامل فقير وبذمتي أطفل أربيهم. وطلبت مني والدة الصبي أن أربيه ومنذ ذلك الحين لم أسمح له بالخروج من البيت.

لم تكن الرسالة موقعة ونصت الرسالة الثانية:

عمد هذا الطفل واسمه كاسبر ولك أن تمنحه أسما آخر وكان والده جنديا في سلاح الفرسان، وعندما يبلغ السابعة عشرة خذه إلى نيويورك إلى فوج الفرسان السادس فوالده يعود إلى ذلك الفوج وقد ولد في 30 أفريل 1818 وأنا إمرأة فقيرة لا أستطيع العناية به ووالده متوقي.

تلك هي الرسالة التي يفترض أنها سلمت إلى العامل الفقير وعندما نقل إلى قسم الشرطة أخذ قلما وكتب كاسبر هوزر لكن إجابته على باقي الأسئلة كانت بكلمة لا أعلم.

بدا كل شيء واضح، طفل غير شرعي عطف عليه شخص غريب ووضعه عند عتبة باب شخص ما، ولكن لماذا حجزه داخل البيت لمدة سبعة عشر سنة؟

كانت قدما الصبي رقيقتين جدا وكانتا تنزفان دما لأنه لم يتعود السير عليهما كانت بشرته شاحبة كأنه كان محجوزا في الظلام وعلاوة على ذلك تبين من خلال التدقيق أن الرسالتين كانت بخط واحد وبنفس التاريخ وليست بينهما ستة عشر سنة. كانت الملابس التي يرتديها تبدوا كأنها لا تعود إليه وقد حاول أحدهم رسم سمكة على ردائه من الخلف، كان الولد محجوزا في زنزانة ولاحظ سجانه أنه يبدو راضيا تماما بالجلوس ساعات دون حركة ثم اتضح أنه يعرف مفردات قليلة فكان يستطيع أن يقول إنه يريد أن يصبح فارسا مثل أبيه، وهي عبارة يبدو أنه علم ترديدها كالببغاء وكان يشير إلى كل حيوان بكلمة حصان ويبدو أنه كان مولعا بالخيول.

قد أعطاه أحد الزوار الذين كانوا يتوافدون كل يوم ليتفرسوا في وجهه لعبة مزخرفة بالأشرطة وراح يلعب معها ساعات ويتظاهر بإطعامها أثناء وجبة الطعام، ولم يكن يقلقه وجود المتفرجين وكان يمتعهم وهو يؤدي وظائفه الغريزية بطلاقة ودون حياء ولم يكن يجيد التمييز بين الرجال والنساء ويشير إلى كليهما بكلمة واحدة أولاد.

من أغرب الأشياء فيه قابليته البدنية الحادة، وبدأ يتقيأ عند وضع القهوة أو البيرة في نفس الغرفة وكان منظر اللحم ورائحته تسبب له الغثيان والقليل من رائحة الخمر تسكره وقطرة واحدة من البر اندي في شرابه تسبب له المرض. كان سمعه وبصره حادين بشكل غير طبيعي وفي الحقيقة كان يستطيع الرؤية في الظلام وأظهر بعدها قدرته على قراءة الإنجيل في غرفة مظلمة تماما وكان حساسا إزاء المغناطيس حيث كان يستطيع معرفة فيما إذا كان القطب الموجه إليه هو الشمالي أو الجنوبي.

يستطيع التمييز بين المعادن المختلفة بإمرار يده فوقها حتى لو كانت مغطاة بالقماش. وبعد سنوات قليلة عثر الطبيب الأمريكي جوزيف روذر بوشنان على مثل هذه الموهبة بين عدد من طلابه واسماه التكهن النفسي.

في أول مرة كان كاسبر يبدو معتوها ويعيش في انبهار وكان يخاف العواصف الرعدية كالحيوانات. ولكن الرأي القائل بأنه متخلف عقليا أصبح غير معمول عليه. وكان انتباه الزوار إليه يدخل السرور إلى قلبه وأصبح شيئا فشيئا أكثر حذرا تماما كالطفل الذي يتعلم بالتجربة. ويوما بعد آخر أخذت مفرداته تزداد وتتلاشى بلادته، فقد تعلم استخدام المقص وأقلام الريشة وعود الثقاب وبتحسين ذكائه تغيرت معالمه فقد لفت انتباه الناس إليه على أنه نموذج الأبله الرديء البليد الأخرق والمثير للاشمئزاز لغرابه.   

ثم راحت قسمات وجهه تتغير وأضحى أكثر تهذيبا يبد أنه مافتئ يسير ببلاده. تتميز ركبته من الخلف بنتؤات ولذلك فعندما كان يجلس ويمد ساقيه فإن كل ساق تمتد على الأرض، وفي أثناء تعلمه الكلام تمكن من سرد شيء عن قصته، ولكن ذلك جعل لغزه أكثر تعقيدا. وفي نشرة أصدرها برغو مستر باتيدر والمجلس البلدي في نيومبرغ نشر أن أبعد ما يستطيع كاسبر تذكره هو أنه كان يعيش في حجرة صغيرة طولها حوالي سبعة أقدام وعرضها أربعة أقدام ونوافذها مكسوة بالخشب من الأعلى ولم يكن فيها سريرا وإنما حزمة قش على الأرض مكشوفة وكان السقف واطئا لا يستطيع الوقوف تحته ولا يرى أحدا وعندما يستيقظ يجد

الخبز والماء في زنزانته وفي بعض الأحيان يكون طعم الماء مرا ثم يغط في نوم عميق وعندما يستيقظ يجد القش قد بدل وأن شعره وأظافره قصت ولم يكن لديه من اللعب إلا ثلاثة خيول خشبية وفي أحد الأيام دخل غرفته رجل علمه كيف يكتب اسمه كاسبر هوزر وكيف يردد عبارات مثل: أريد أن أكون جنديا، ولا أعرف.

في أحد الأيام نهض فوجد نفسه مرتديا الملابس الفضفاضة التي عثر عليه فيها وأخذه الرجل إلى العراء وبعد أن مشيا طويلا وعده الرجل بحصان حقيقي كبير عندما يصير جنديا ثم تركه هناك في مكان قرب بوابات نيومبرغ وفجأة أصبح كاسبر مشهورا وتناقش قضيته في كل أنحاء ألمانيا، ولابد أن هذا أقلق كل من كان مسئولا عن حالة ضياعه وربما تمنى معتقله أو معتقلوه أن يتلاشى بين الجيش وينسى، وصارت شهرته الآن شعبية والكل يتساءل عنه، وقد أمر عمدة المدينة والمجلس البلدي وضع كاسبر تحت حمايتهم وأن يطعم ويكسى على نفقة بلدية المدينة وأضحى موضوع متعة لا حدود لها في مدينة نيومبرغ الكتيبة والكل يفكر في حل لغزه. وقد دفعت المدينة ثمن النشرات التي تطلب حلولا لمعرفة هويته وأعدت جائزة أيضا لذلك، وأجرت الشرطة تفتيشا دقيقا للضواحي المحلية عن مكانه والذي أتضح أنه على مسافة يمكن قطعها مشيا لكنهم لم يعثروا على شيء.

عين المجلس البلدي حرسا عليه لشهرته وكان العالم والمحاضر الذي يدعى جورج فردريك دومر الذي كان مولعا في الجاذبية الحيوانية أول من أجرى الاختبارات التي كشفت أن كاسبر يستطيع التمييز بين الأقطاب المغناطيسية والقراءة في الظلام وتحت إرشادات دومر تحول كاسبر إلى شاب ذي ذكاء طبيعي ومثل أي مراهق أسعده أن يكون مركز اهتمام وأصبح مظهره أنيقا جدا وفي الأشهر الأخيرة من حياته أضحى لا يختلف عن التماثيل النصفية الرومانية للإمبراطور نيرون بوجهه الرصاصي والتفافات شعره.

ثم اختبره أحد الرجال المتعلمين وهو محامي وعالم الإجرام انسيلم فوت فيرباخ المؤلف المشهور لقانون العقوبات في بافاريا وتوصل إلى النتيجة المثيرة وهي أن كاسبر لابد أن يكون من سلالة ملكية ولا يمكن أن يكون هناك تفسير لحجزه طويل الأمد إلا إذا كان وريثا لشخص ما ولم يظهر كاسبر أي استياء من هذا الموضوع، وبعد مرور سبعة عشر شهرا على العثور عليه حاول أحدهم قتله وحدث ذلك بعد ظهر يوم السابع من أكتوبر 1829 حيث وجد كاسبر ملقا في بيت دومر ينزف من جرح في رأسه وقدم قميصه حتى الخصر.

وصف كاسبر كيف هاجمه رجل يرتدي قناعا حريريا وضربه بهراوة أو سكين وقد قامت الشرطة على الفور بإجراء تفتيش في نيومبرغ ولم تفلح في العثور على أي شخص تنطبق عليه الصفات التي ذكرها كاسبر عن الشخص الذي هاجمه وانتشرت أقاويل في نيومبرغ أنه لم يكن هناك أي مهاجم وإنما افتعل الحادثة كاسبر نفسه للفت الانتباه إليه. ولم يصدق الكل كما فعل دومر أن كاسبر كان ملاكا.

لكن أغلب الناس أدركوا أن حياته في خطر وقد تم تحويل إقامته إلى مكان جديد وعين شرطيان لحراسته كما عين وبزفرون فيرباخ وصيا عليه وفي السنتين التاليتين تلاشى كاسبر عن نظر الناس ولكن ليس عن عقولهم. وأصبح الآن الخبر الجديد قديما ويوجد الكثير في نيومبرغ ممن يرفضون دعم كاسبر من خلال الضرائب.     

ثم عرض حل أمتع الجميع فقد ظهر ثري انكليزي وهو لورد ستانوب ابن أخ رئيس الوزراء السابق بك وأصبح مولعا بكاسبر وقدم لمقابلته وبدا على الاثنين أنهما أحبا بعضهما على الفور وراحا يتناولان الطعام في المطاعم وشوهد كاسبر مرارا في عربة لورد ستانوب وكان هذا مقتنعا أن كاسبر ينتمي إلى سلالة ملكية وبدا عليه استمتاعه الواضح باللغز. وعندما طلب أخذ كاسبر في رحلة إلى أوروبا، أسعد ذلك المجلس البلدي وبين عام 1831 وعام 1833 عرض كاسبر على عدة محاكم صغرى في أوروبا حيث نجح في جلب الانتباه، لكن أعضاء من البيوت الملكية في بافاريا هددوا بتقديم دعاوي إذا ربطت أسمائهم أمام الناس بقضية كاسبر.

يبدو أن كل هذا الاهتمام والعيش الرغيد لم يكن جيدا لشخص كاسبر فأصبح مغرورا وصعبا ومختالا بنفسه وخاب أمل ستانوب فيه. وفي عام 1833 عاد ستانوب إلى نيومبرغ وحصل على إذن لإيوائه في مدينة انسباش على بعد 25 ميلا حيث يتلقى التعليم على يد صديق ستانوب الدكتور ماير ويحرسه ضابط أمن يدعى كابتن هكل وعندما شعر ستانوب أنه أدى الواجب الذي عليه، اختفى عائدا إلى انكلترا. لم يكن كاسبر سعيدا في انسباش فقد كانت أكثر انعزالا من نيومبرغع وفي الحقيقة أن نيومبرغ كانت مدينة متألقة بالمقارنة مع انسباش. واستاء كاسبر من الدروس وخاصة اللاتينية واشتاق للحياة القديمة في المحاكم وحفلات العشاء وازداد حنينه إلى الوطن بعد زيارة قصيرة إلى نيومبرغ. وساروره شعوره أن انسباش أفضل بكثير من الزنزانة التي أمضى فيها سنوات عمره الأولى، بعدئذ وقبل حلول عيد الميلاد بعدة أيام، وافاه الأجل في 14 ديسمبر 1833. ففي ظهيرة يوم ثلجي دخل كاسبر إلى بيت ماير يترنح لاهثا. رجل طعن. سكين. هوفكارتن. أعطى سكينا. اذهب أنظر بسرعة. واكتشف الطبيب الذي استدعى على الفور أن كاسبر قد طعن في خصره تحت الأضلاع ودمرت الضربة رئته وكبده وأسرع هكل إلى المنتزه الذي كان كاسبر يسير فيه، فوجد كيسا حريريا يحتوى ملاحظة كتبت بصورة معكوسة وتقول: هورز سيتمكن من إخبارك كيف أبدو، ومن أين أتيت ومن أناـ، ولأختصر عليه الجهد سأخبرك بنفسي، أنا من. على الحدود البافارية. على نهر. واسمي هو أم. أل. أو غير أن كاسبر لم يتمكن من إخبارهم  أي شيء عن هوية ذلك الرجل. واستطاع فقط أن يشرح أنه استلم رسالة عن طريق العامل مطلوب منه فيها الذهاب إلى هوف كارتن وأن رجلا ملتحيا طويل القامة يرتدي معطفا أسود سأله هل أنت كاسبر هوزر وعندما أشار بالإيجاب سلمه الكيس وحالما تناوله كاسبر طعنه الرجل وهرب بعيدا.

كشف هكل حقيقة تلقي الشك هذه القصة. لم تكن هناك سوى أثار أقدام كاسبر في الثلج، ولكن وبعد مرور يومين وفي يوم 17 ديسمبر  وبينما كان كاسبر يرزح في غيبوبة كانت كلماته الأخيرة لم أفعلها بنفسي وكانت وفاته خاتمة لظهور ألاف الكتب والكراسات التي تقدم نظريات لحل اللغز، ونشر فيورباباخ كتابا بعنوان نموذج جريمة روح الإنسان حاول فيه أن يبرهن أن كاسبر من سلالة ملكية، ولتجنب التشهير بالسمعة تجنب ذكر أسماء أي من المشكوك فيهم، لكن قراءه لم يجدوا صعوبة في معرفتهم وكان المرشحون هم دوقات بيدن الكبار، وكان الدوق العجوز كارل فريدريك قد عقد صفقة زواج غير متكافئ من شابة جميلة في الثامنة عشر اسمها كارولين غاير والذي حامت حوله الشائعات عن تسميم أولاده من زواج سابق ليتأكد من أن أولاد زوجته الأخيرة سيصبحون دوقات الكبار، ويعتقد أن كاسبر هوزر هو أحد هؤلاء الأولاد وتبدو الحكاية سخيفة لأنها تعني أن طفلا قد سرق وسلم إلى متعهد. وأحد الاقتراحات يقول أن هذا المتعهد كان رجلا يدعى فرانز ريختر وأن بيت طفولة كاسبر كان قلعة بلزاك قرب نيومبرغ وفي الحقيقة أن هذه القلعة كانت مجرد بيت كبير في مزرعة ويعتقد أن ريختر قرر إرسال كاسبر إلى نيومبرغ عندما توفيت زوجته يبد أنه لم يقدم دليلا نهائيا على هذا الرأي أو على أية نظرية أخرى عن أهل كاسبر، ولم يكن هناك أيضا أي دليل أن كاسبر من سلالة ملكية أو أنه وريثا شرعيا لعرش ما أو حتى لأحد الأثرياء، ومن الصعب معرفة سبب حجزه في غرفة صغيرة طوال حياته فقد كان يكفي للتخلص منه تسليمه إلى (متعهد) في مكان بعيد. والمعادلة الوحشية غير الإنسانية التي عومل بها كاسبر تعد نموذجا لمعاملة يقوم بها فلاح جاهل أكثر منه ارستقراطي يؤنبه ضميره. وفي قضية(كورفشن) في القرن العشرين كان احد الهاربين من الجيش في الحرب العالمية الأولى هو(ويليام غرانيلد رو) قد ظل محتجبا في بيته في المزرعة مدة ثلاثين شهرا ولم يكن ذلك ليثير الدهشة فلم يشك أحد بأن ذلك نوع من الجنون الذي هو أسوأ بكثير مما لو سلم نفسه ليسجن بضعة أشهر وقد شاع خبره عندما اغتاله عاملان حكم عليهما بالإعدام بعد ذلك.

النظرية التي ترى أن كاسبر كان ابنا من زواج سابق لدوق شرير تبدو أقل احتمالا بكثير منه ابن غير شرعي لبنت أحد المزارعين المحترمين خطبت إلى مالك أرض في منطقتها وتخشى أن يذاع سرها بين الناس.

في هذه الحالة ترى من كان وراء محاولات الهجوم عليه؟ التي من المحتمل أنها لم تحدث فبعد محاولة الهجوم الأولى ذاعت إشاعات في نيومبرغ أن كاسبر هو الذي ضرب نفسه بعد الإخفاق في نشر سيرته الذاتية، وبعد محاولة الهجوم الثانية أفل نجم شهرته وأضحى حزينا ويائسا من وضعه. ومن المهم هنا محاولة كسب بعض التبصر في قضية صبي يمضي سبعة عشرة سنة من عمره في نوع من سجون الزنزانات، حيث يرغب أغلب الأولاد أن يكونوا مركز الاهتمام ويعملون الكثير لتحقيق ذلك وبين مارك توبن كيف فهم العقل بعمق في قصة توم سوير عندما يتظاهر بأنه يغرقه ويحضر موكب جنازته. وأغلب الأولاد يتوقون إلى نيل استحسان الكبار وينسجون الأكاذيب للوصول إلى ذلك. وفي كتابه عن كاسبر يصف جاكوب وسرمان خيبة أمل جومر عندما اكتشف أن كاسبر لم يكن صادقا كما يبدو عليه.

لقد خرج كاسبر من لب العزلة ليجد نفسه مركز اهتمام ومشهورا في أوروبا، ورغم أن عمره لم يبلغ السابعة عشرة فقد كان بعقلية طفل في الثانية من عمره، ولو فكرنا عقلانيا فإن نموه كان سريعا ومدهشا ولو تحدثنا عنه عاطفيا فإنه مازال طفلا ولذلك فمن المؤكد أنه كان يستعد لوضع نفسه في مواضع يأس لكسب  التعاطف الشعبي. في ضوء هذا الاشتباه فإن قصة كاسبر عن محاولتي الهجوم عليه تبدو غير قابلة للتصديق فهل يمكن أن يجد رجل ملثم طريقه في قبو بيت دومر ثم يضرب كاسبر على رأسه بهراوة أو سكين ويبدو أنه غير متأكد من نوع السلاح ثم يفر هاربا قبل أن يتأكد من أنه ميت؟

في محاولة الهجوم الثانية أيمكن أن يكون هكل على خطأ عندما أكد أنه لم يكن هناك سوى أثار أقدام كاسبر في الثلج؟ ثم لماذا كتبت الرسالة الغامضة معكوسة؟ هل كانت كذلك لأن كاسبر كتبها بيده اليسرى وهو ينظر في المرآة لكي يخفي كتابته؟ من المعروف أنه من السهل تمرين اليد اليسرى على الكتابة المعكوسة باستخدام المرآة. ولماذا كانت الرسالة عديمة المعنى. هوزر سيكون بمقدوره أن يروي لك كيف أبدو ومن أين أتيت ومن أنا...الخ. واماذا يكتب القاتل المحترف رسالة؟ أليس الاحتمال الأقوى أن كاسبر قرر في حالة يأس وحزن أن يضرب نفسه ضرب غير مؤذيه بقوة؟ وإن كان الأمر كذلك فإن كاسبر قد نال في الأقل ما كان يريده من تعاطف كوني ومكانا في كتب التاريخ.

 

ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة  ألغاز أسرار ظواهر غريبة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق