تقيم السيدة - بياتريس .ت - في ملكية شاسعة بالبادية، حيث تستقبل منذ عدة سنوات، حيوانات مهملة من قبل أصحابها أو جريحة، حتى أن بعض تلك الحيوانات كان مصيره الموت المحتوم لو لا وقوعها بين يدي بياتريس بعدما كان ذلك البعض يُصابُ برصاص الصيادين و الغريب في الأمر هو أن تلك الحيوانات كانت تنقاد عفويا نحو إقامة السيدة بياتريس و هكذا اجتمع عدد هائل من الخنازير و الأحمرة و الخيول و الكلاب و الطيور بمختلف سلالاتها.
كل تلك الحيوانات فضلت البقاء بإقامة بياتريس التي عكس تعايشها الطيب مع الحيوانات، لم تكن تحظى بالمعاملة اللطيفة من قبل جيرانها الذين كانوا يصفونها بالمجنونة، فيما لم يتردد جيران آخرون في إطلاق رصاصهم صوب أول حيوان يخطئ السبيل فيخترق مجالات حقولهم أو بيوتهم. لكن هناك طفل صغير، منذ ثماني سنوات تعود زيارة الإقامة يوميا ليلعب مع الحيوانات. السيدة بياتريس التي لم تقم بأي شيء يجلب الطفل إلى إقامتها، أعطت اسم - سيلفيان - لذلك الطفل. لماذا أطلقت عليه هذا الاسم؟ ببساطة لأنه لم يفصح عن اسمه و لأنه متوحد ( من كلمة التوحد و التوحد مرض يصيب الأطفال و يستمر معهم بحيث أنهم ينزوون و لا يتحدثون و لا يعيشون وسط المجتمع ) و ببساطة يمكن القول أن ذلك الطفل كان أبكما. منذ الأيام الأولى التي بدأ فيها ذلك الطفل يتردد على المكان، أخذت بياتريس تراقب و تلاحظ تصرفاته عن بعد، لكن باهتمام شديد فهو طفل أشقر، وسيم، ذو وجه رقيق و عينين زرقاوين و كان يقبل بشطيرات الخبز المزبدة التي كانت تقدمها له بياتريس و التي كان يأكلها بوسخ ككل الأطفال المهملين و أحيانا أخرى كان يشارك الكلاب في أكل الفضلات المقدمة لهم. الصغير -سيلفيان - اعتاد إذن زيارة المكان، دون سابق إنذار و في الوقت الذي يحلو له و في كل مرة كان يدخل الإقامة و هو في حالة قذارة تجلب الشفقة، مما كان يؤدي بالمرأة إلى غسله و تغيير ثيابه بألبسة غالبا ما كانت تشتريها جديدة من المحلات المجاورة لها. في ظرف شهر واحد اندمج - سيلفيان - كليا في حياة بياتريس و حيواناتها، لكن فضول صاحبة الإقامة تجاه وضعية ذلك الطفل و صمته الدائم قادها إلى محاولة التعرف على أهله من خلال الاستفسار لدى بعض خدامها، غير أن الكل كان ينفي علمه بالأمر بشكل غريب يوحي بأنهم لم يكونوا يرغبون في حتى مجرد الحديث عن الطفل المسكين و في أحد الأيام، شاهده موزع البريد يلعب في الساحة، فصاح: " ها أنت هنا أيها الأبله و أمك تتساءل عن مكان اختبائك "... و مرت الأيام و الشهور و - سيلفيان - يتردد على أصدقائه الحيوانات دون أن يتسبب ذلك في إزعاج والديه إلى أن جاء اليوم الذي اكتشفت فيه - بياتريس - سيلفيان يلعب مع - أوليس - و هو مهر صغير لم تمض على ولادته، ثلاثة أسابيع فقط... كان الطفل يداعب منخره برفق، محدثا إياه. متأثرة بما رأت، اقتربت بياتريس، خفية من الطفل لتسمعه يتحدث بكل وضوح ( كان عمره يقارب السبع سنوات وقتها ) و يقول للمهر بصوت خافت و مؤثر: " أحبك يا أوليس. انك لي و لن تكون أبدا لشخص آخر غيري ". المشهد دام حوالي عشر دقائق، وقفت بياتريس خلالها مندهشة أمام ما كان يقوله الطفل الذي لم يتفوه يوما واحدا بعبارة أو كلمة واضحة و ها هو فجأة، يتحدث كالرجل الكبير مخاطبا مهرا صغيرا. هذا الأخير ( أي المهر ) الذي بدا و كأنه كان يفهم ما يسمع من محدثه، بدليل أنه كان يرد عليه بصهيل رقيق... و واصل سيلفيان حديثه: " عندما أكبر ستحملني على ظهرك، نركض معا نحو السماء و نزور كل الأرض ". و في صباح يوم آخر، شاهدته بياتريس و هو يتمرغ على الحشيش و يلعب مع الكلب بوبي... هذه المرة أيضا كان الطفل يتحدث بوضوح للكلب الذي يرد عليه بعواء و منذ ذلك اليوم، قللت بياتريس من الاهتمام بحيواناتها لتركز ملاحظاتها على الطفل - سيلفيان - و أول ما قامت به هو اقتناء بعض الكتب مثل " القلعة الجوفاء "لباتلهايم و " التوحد و البسيكوز عند الطفل " لتوستان و كذا " التوحد الطفولي " لميلتزر كما حاولت بياتريس، التقرب أكثر من سيلفيان و تزويده بالحنان الأمومي الضروري، لكن بدون جدوى. فالطفل بقي باردا بعيدا، غريبا كما لو أنه كان يتجاهل بياتريس بل لنقل و كأن المرأة لم تكن من عالمه الخاص، على عكس ما يحدث مع الحيوانات التي كان أفرادها ما أن يشاهدوه حتى يهرعون إلى الرقص و الركض على طريقته و كأنهم يحتفلون برؤيته. لكن هو الآخر كان يرد على بهجتهم بوجه مضيء و ببسمة ملائكية و عينين تبرقان... ثم يأخذ في الجري مع الكلاب و الخيول و الحيوانات الأخرى. حاولت بياتريس، مرارا و تكرارا، التحدث إليه، دقائقا طويلة عند دخوله الإقامة لحمله على نطق كلمة واحدة على الأقل، لكن دون جدوى، شأن ذلك شأن، تعليمه الرسم على الورق، مما جعلها تيأس نهائيا قبل أن تقتنع بتضييع وقتها معه، لكن رغم هذا لم تتردد عن عرض الظاهرة على طبيب صديق لها منذ زمن بعيد. هذا ألأخير بعد سماعه للخبر، زار المكان بنية المكوث لبضعة أيام، حتى يتمكن من دراسة الحالة عن قرب و بعد يوم واحد من الراحة شرع في اليوم الثاني رفقة بياتريس في تتبع سلوك الطفل قبل أن يندهش في نهاية المطاف بعد سماعه لسيلفيان و هو يتكلم مع الحيوانات و الأغرب من هذا كله، أنه يقدم الأكل للحيوانات دون أن يخطىء في نوعية الغذاء الواجب تقدميه لكل حيوان رغم أنه لا أحد علمه ذلك من قبل. الطبيب خلص إلى أن حالة سيلفيان قابلة للعلاج، لكن المشكل يكمن في كون الطفل اعتاد الحياة الحرة بين الحيوانات و مكوثه داخل مستشفى متخصص في احتضان الأطفال المتوحدين من شأنه أن يؤثر عليه بشكل خطير، خصوصا و أن عدد الأطفال الموجودين داخل مثل ذلك المستشفى يتجاوز بكثير طاقات استيعابها الحقيقية و المشكل الثاني توقع الطبيب أن يأتي من والدي الطفل اللذان وان لم يوليا طفلهما أي اهتمام فإنهما قد يعارضان فكرة إدخاله المستشفى و أكثر من هذا قد يمنعوه مستقبلا حتى من الخروج من البيت. فقرر الدكتور - باليس - الاستعلام في الأمر و في مساء ذات اليوم بعد أن رافق الدكتور سيلفيان إلى بيته على متن السيارة، عاد ليروي لبياتريس مظاهر الفقر و اليأس البادية على مسكن الطفل و إخوته الصغار الذين كانوا يخرجون من البيت أو يدخلون إليه. سيلفيان غاب عن الإقامة لمدة 3 أيام و لم يظهر إلا عشية رحيل الطبيب الذي مثله مثل بياتريس عجز عن التقرب من الطفل الذي كان يتهرب منهما بشيء من الخوف و كأن والداه أقدما على معاقبته بعدما اكتشفا وصوله إلى البيت على متن سيارة شخص غريب. شهور و سنوات مرت و اليوم أصبح سيلفيان شابا مقتدرا، لكنه بقي على حاله، لا يشعر بالأمان إلا رفقة الحيوانات التي يواصل التحدث إليها وحدها حتى أن السيدة بياتريس سجلت كراسين كاملين من الكلمات و المحادثات التي قام بها الطفل مع أصدقائه الحيوانات و العجيب أنه منذ عامين، قام زوج إنجليزي يعيش بجوار بياتريس بإيداع كلبهما لدى هذه الأخيرة لأن القوانين الإنجليزية لا تسمح بالتنقل رفقة الحيوانات إلى بريطانيا... فمنذ اللحظة الأولى التي تقابل فيها سيلفيان مع الكلب انسجما و أكثر من هذا، فوجئت بياتريس منذ ذات يوم و هي تسمع يلفيان يحدث الكلب بالإنجليزية، قائلا له:come back don't be silly,hurry up أي ارجع، لا تكن غبيا هيا بسرعة .
غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض غرائب ظواهر غير طبيعية ما وراء الطبيعة أرواح أشباح ألغاز بلا تفسير حوادث غريبة غموض |
الاثنين، 10 يناير 2011
الطفل الذي يتحدث مع الحيوانات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق